الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهديه واستن بسنته ودعا
بدعوته الى يوم الدين...
إن لأمتنا الإسلامية قادة وفقهاء وصالحين ما ظهر مثلهم في أية أمة من الأمم..فكانوا أجل قادة
فعندما نتكلم عن سيرتهم العطرة نستأنس بها ونأخذ العبرة من كل عظة...
وبقيت كلماتهم وأفعالهم نبراسا ونورا يهتدي به الأحياء وذكرى طيبة خيرة على مر العصور ،فأنا اخترت لكم اليوم من بين
كل الفقهاء والصالحين شيخنا التقي الورع ابن تيمية رضي الله عنه وبالظبط اخترت مقالة له من مقالاته الشهيرة...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو في أشد محنته :
(ما يصنع أعدائي بي ؟أنا جنتي وبستاني في صدري أينما رحت لا تفارقني ،أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة ،وإخراجي
من بلدي سياحة .)
يا للروعة إنها كلمات تضيء النفوس ،وتنبهر بها العقول، وتهتز لها القلوب ،وتغمر الكون بالصفاء والروحانية ...
...أجل أولا تحس بذلك ؟
تعالوا معي إخواني وأخواتي نسبح في أعماق هذه المقولةونحاول جاهدين أن نتحسسها...
أولا تتمنى أن تحس بها وكأنك أنت من قلتها ...
في الحقيقة يا أخي ويا أختي لا تحسبا أن الأمر هين أو سهل أن نحس بها إحساسا روحيا ومعنويا
وجسديا لأنه هو من قالها رضي الله عنه ورحمه ولسنا نحن ابن تيمية...
،فالنحاول جاهدين أن نقتنص من همته و لنحاول كي نسبح ونغوص في أعماقها ونعيش معها لعلنا نصل إلى بعض من
لذتها ونحن نرددها ...
وحاول الآن أن تعيش معي وقع هذه المقولة على النفس عند تحليل كل باب منها...
أول باب:أنا جنتي وبستاني في صدري
فكانت جنته في صدره لاتفارقه ، في صدره إيمانه ويقينه ،وفي صدره أنوار علمه وبصيرته ،وفي صدره ثقته بربه ، ومهما
فعل الأعداء فلن يستطيعوا انتزاع الإيمان من قلبه...
--فالتتذكر هذه المقولة كلما اشتد عليك الكرب ..أو أصابتك أية مصيبة أو ظلمك أي أحد...وتفاصيل البلاء التي تعرض لها
شيخ الإسلام ابن تيمية شيء طويل جدا. فما كان رضي الله عنه ينتهي من محنة إلا ليدخل في أخرى ولا يخرج من
سجن إلا ليوضع في آخر حتى مات مسجونا آخر عمره، ولا ينتهي من قتال مع طائفة باغية إلا ويدخل قتالا آخر.. :
فما يحصل معنا من مصائب وكرب لا يعد أما م ما لقيه شيخنا إلا القليل القليل فالتضع هذا أمام نصب عينيك كلما اشتدت
محنك ومصائبك ...
ثاني باب :أنا حبسي خلوة ....
فقد سجن الظالمون ابن تيمية أكثر من مرة كي يرجع عما يعتقده أنه الحق في دين الله فلم يستسلم ولم يتزلزل أبدا ،
بل رحب بالسجن في سبيل فكرته وعقيدته ،والرائع من ابن تيمية أنه حينما أغلقوا عليه
أبواب السجن قال مستشهدا بقول الله عز وجل :
(فضرب بينهم بسور له باب،باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قبله العذاب)...
فالحرية عنده لا تقاس بالمكان ،ولكنها تقاس بروح الإنسان فكله لديه نعمة سواء خارج السجن أو داخله ،وكان يحسب
سجنه خلوة ليخلو فيها إلى العبادة والتفكر، وإلى المطالعة والبحث ،وإلى مزيد من المعرفة والعلم...
== نعم وأنت ولله الحمد حر طليق تمشي في الشوارع فإنك تعتبر مسجونا إن حبست نفسك على الطاعة ولكنك سعيد
بهذه الحرية تتلذذ بالعمل الصالح فيا لها من لذة ...
* احبس نفسك ساعة للتفكر في خلق الله ...
* احبس عينيك بغض البصر وعدم النظر لأي حرام...
* احبس لسانك عن قول الباطل والمنكر...
* احبس سمعك عن سماع أي قول فاحش أو لغو ولهو وكل غناء محرم...
* احبس نفسك ساعة للمطالعة والبحث وإلى مزيد من العلم والتعلم...
* احبس نفسك عن أي شهوة أو غضب أو جزع ...واحبس نفسك ...واحبس نفسك ...
ثالث باب :إخراجي من بلدي سياحة...
إن إخراجه من بلده كان يعتبره سياحة ،أي رحلة في سبيل الله سبحانه ،ويكفي أنه علم الناس أن الظالمين قد نفوه
حتى يتذكروا أن نفيه كان بسبب دفاعه عن الحق وإخراصه للباطل ودافع عن كل حقائق الدين ومبادئه...وكان ينتهز الفرص
بتلك الرحلات ويتعرف إلى مزيد من الناس يعلمهم
ويدعوهم ويدعو في كل مكان زاره ...هنا وهناك لسانه لا يسكت عن الحق أبدا ...
== فأنت فالتحمد الله أنك الآن جالس على كرسي وبضغطة زر تهاجر وترحل إلى كل بلدان العالم ...فيا لها من نعمة نشكر
الله عز وجل عليها فإن الدعوة من خلا ل النت سهل جدا وميسر فالتعتبرذلك سياحة ورحلة تدعو هنا وهناك تفيد وتستفيد
تفرح لفرح هذا وتحزن لحزن ذاك ...فإنك ستجني خيرا كثيرا من خلال هذا الطريق السياحي في الأرض وأنت في مكانك...
== وأنت أيها المهاجر المغترب يا من خرجت من بلدك بحثا عن العمل أو طلبا للعلم فإنك في ألذ نعمة ويا لها من نعمة
رغم أنك تشتاق للقاء الأهل والأصحاب ولكنك إن تذكرت هذه القولة وتخيلت كأنك أنت من قالها (إخراجي من بلدي
سياحة )ستتلذذ بها، فأي أمر أجبرك على الخروج من بلدك فتخيل وكأنما نفوك ...واحمد الله خلال ذلك أنك خرجت بمحض
إرادتك وأنك تستطيع أن تعود لزيارة الأحباب متى شئت ولو أنك مازلت لم تحصل على ملف إقامتك فلا تحزن فإنك في
سياحة وعمل وعبادة ومقارنة بينك
وبين أهل الكفر وتتذكر خلالها نعمة الإسلام وأنه فضلك على كثير من خلقه ...
== فانتهز الفرص هناك وادعو هذا، وساعد ذاك ،وزع كتيبات وشرائط على إخوانك،ابحث عن رفقة صالحة وتعاون معهم
على البر والتقوى...ووو إنك في سياحة ...
رابع باب : وقتلي شهادة ...
إنه رحمه الله كان مناضلا مجاهدا قضى حياته وهو على طريق الجهاد، جاهد صغيرا في طلب العلم ،وجاهد في سبيل
الوطن الإسلامي ،ومع ذلك مات في سجنه رحمه الله ومن يدري لعل موته شهادة
لأنه جاهد جهادا عظيما في سبيل الحق...
== طوبى لك يا من مت شهيدا في سبيل الله وهنيئا لك يامن مات لك شهيد ،فإنه سيشفع لك بإذن الله تعالى...
== فأما أنا وأنتَ وأنتِ من يدري لعل أحدنا أو كلنا نموت شهداء ...
فالنزكي أنفسنا من الآثام ونرتقي في الطاعات والعبادات ...
فلعلك تموت لله ساجدا، أو لله شاكرا وذاكرا، أو قارئا للقرآن أوتكون لك حسن خاتمة أولعلك
تموت في أية حالة من هته الحالات:لأنه ليست الشهادة فقط في ميدان الحرب والقتال كما صح
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" الغريق شهيد ، والمبطون شهيد ، والحريق شهيد ، والميت بالطاعون شهيد ، والمرأة تموت في نفاسها شهيدة ،
وصاحب الهدم شهيد " ، وجاء ذكر غير هؤلاء
دمتــــم برعــــاية الرحمن