شاب .. شارع .. إشارة واحدة ..
صيدلية وبوفيه مقابل الشاب والشارع .
.,.,
خرج في ساعة متأخرة من الليل ليجلس على أحد أرصفة
الطريق ، يُقلب بصره في ملامح العابرين علّه يرى وجه مألوف .
يكتمُ أنفاسه علّه يسمع نبرة صوت يأنس بها .
يُحاول أن يقرأ في أعين العابرين معاناتهم ، أفراحهم ، أتراحهم
مشاكلهم ، خداعهم ، صدقهم ، كذبهم ..الخ ) .
مشكلته التي أقضت مضجعه ليخرج من بين
أربعة جدران إلى شارع ملآى بالعابرين هي الآخرين .
.,.,
وحده هو وإشارة ذلك الشارع والصيدلاني لا يناموا قط .
هو جلس على الرصيف الأيمن للشارع
لفقدانه أشياء تُسمى الآخرين ، هو لم يهتم بنفسه كثيراً
بل أهملها حتى أنه إمتهن الجلوس على الأرصفة .
الإشارة واقفة على يسار قارعة الطريق ولم تضجر من هذا الروتبين
الممل ، وشتم المارّة بها .
الصيدلاني من أجل الآخرين لازال متواجد وإلا فإنه
لا يشكوا من علّة .
الآخرون :
لم يحترموا إنارتها ولم يُقدروا جلوسه ومعاناة مرتادي الصيدلية .
.,.,
فرح كثيراً بعد أن رأى "البوفيه " من هذا الشارع فتحت أبوابها
لتستقبل الآكلين .
إتجه نحوها وقبل أن يطلب ما يملأ ربع بطنه من الطعام تفاجأ بها
تمد يدها وتطلبه قائلة :
" بس سعر حليب لطفلي الذي لم أطعمه من البارحة "
تجهم وجهه ، حزن ، ثم سأل نفسه :
أآكل وطفلها جائع ؟
أعطاها ما إستطاع فدعت له بالفلاح والصلاح و انصرفت مسرعة للصيدلية .
تذكّر مآسي الآخرين فأثرت عليه أكثر من جوع بطنه
وانصرف دون أن يأكل ..!
.,.,
عاد لجدرانه الأربعه وأخذ ريموت وقلّب في التلفاز .
" عدد (...) قتلى في سوريا / تشييع عدد (...) ضحايا في اليمن
أخبار جميعها مأساوية ..
فضل النوم دون أن ينظر لهذه المشاهد ويستمع لتلك الأخبار .
" نام على جوع بطنه " بسبب الآخرين .
.,.,
في المساء ذات الروتين يتكرر مع إختلاف الشخوص فقط .
.,.,
ذهب للأطباء وقرروا عليه أنك مصاب بمرض " الآخرين "
وليس لك علاج سوى أن تترك هؤلاء عنك وتهتم بنفسك
كثيراً ..
رفض كل ذلك وفضل الإهتمام بالآخرين .
.,.,
وبعد مدة من الزمن " مات " دون أن يعلم عنه الآخرين .
كل من مد يد العون لهم ذات يوم لم يشيعوا جنازته ولم
يحزنوا لموته فهم لا يعرفونه .
كل من حزن لأجلهم لا يعلمون عنه متى مات ..
وحدها إشارة الطريق إفتقدته فتوقفت عن إجبار الناس
على الوقوف عندها من أجله حتى يتأملهم ويبحث فيهم
عن الآخرين .
مات وبموته ماتت إنارة الإشارة .
مات وصحبته دعوة الفلاح والصلاح لإمرأة محتاجة أو عجوز
مد يد العون له ذات مرة أو دعوة صادقة منه فرجت هم وكرب
غيره .
مات .. مات .. مات .. ومشكلته التي لم تُحل الآخرين .
ألقاكم .